وننظر إلى القرآن الكريم فى هذا الوضع فنجده وقد أخذ مكانه من الكتب السماوية، كمصدر إشعاع لها، ومركز انطلاق لكلمات الله منها، يرسل كل حين شعاعات من نور الله، إلى عباد، الله على يد رسل الله، ويقدمها بين يديه، وكأنها تمهد له الطريق، وتهيىء له الأفق الذي يستقبله، حين يطلع على الناس بشعلته المقدسة، ويملأ الوجود بنوره القدسىّ..
وعلى ضوء هذا التصوّر يمكن أن نفهم قول الله تعالى:
«وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ» (48: المائدة) .
فهذه الهيمنة إنما تكون لقوة هى مصدر لتلك القوى النابعة منها، المستندة إليها، فيكون لها بهذا الوضع مكان الرقابة عليها، والضبط لخط سيرها..
ثالثا: ومن الهيمنة التي للقرآن على الكتب السماوية التي بين يديه أنه هو المصدّق لها، الشاهد الذي ترى فى أضوائه وفى أحكامه، وأخباره وآدابه- آيات صدقها، وأنها من مورد هذا الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إذ ليس بعد شهادة القرآن شهادة، ولا وراء الحق الذي يقوله حق، وإنه سيظل قائما هكذا إلى يوم القيامة، معجزة تنحدى الناس جميعا، أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله،..
«وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» (23: البقرة) ومن كان هذا شأنه، وذلك إعجازه فله أن يقول، وعلى الناس أن يسمعوا، وله أن يحكم، وعلى الناس أن ينزلوا على حكمه، طوعا أو كرها..
رابعا: قوله تعالى: «وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ» بعد قوله تعالى: «نَزَّلَ