وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها» .
وهم هنا يقولون أكثر مما قالوا.. يقولون: «لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا» .. فهم لا يجدون فيما اقترحوه من قبل مقنعا لهم، للتصديق بالرسول، وبرسالته.. بل يطلبون أن يكون المبعوث إليهم من الله، ملكا من ملائكته.. «لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ» ثم يمدّون فى حبل الأمانىّ، فلا يجدون فى إنزال الملائكة إليهم ما يقيم حجة بأنهم من عند ربّهم..
إنهم يريدون أن يروا الله عيانا. «أَوْ نَرى رَبَّنا» ! فيال لضلال القوم، وبال لعتوّهم وغرورهم!! وقد ردّ الله سبحانه عليهم بقوله: «لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً» فكشف عن الغرور الذي استبدّ بهم، وملك عليهم أمرهم.. إنهم سادة فى الناس، ورؤساء فى القوم، وزعماء فى العشيرة.. وإنه إذا كان للسماء حديث معهم، فليكن بلسان جنود الله فيها، وهم الملائكة.. فهذا أقلّ ما يقبلونه من السماء إذا أرادت السماء أن تتحدث إليهم.. وإنهم ليعدّون هذا تنازلا منهم، وإلّا فإنهم فى المستوي الذي ينبغى أن يلقاهم فيه الله لقاء مباشرا..
هكذا بلغ بهم السّفه والجهل والغرور!.
- وفى قوله تعالى: «لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ» إشارة إلى أن هذا الكبر الذي أراهم فى أنفسهم هذا الرأى- هو داء سكن فى كيانهم، فأشاع فيهم مشاعر كاذبة، من ضلالات وأوهام، ورمت بها أنفسهم، كما يتورم الجسد بالمرض الخبيث! وهذا هو بعض السرّ فى ذكر النفوس، وإسناد الاستكبار إليها، دون إطلاقه ليكون كبرا لهم، فقال تعالى: «لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ» .. وهذا الذي جاء عليه النظم القرآنى، يبين أن استكبارهم استكبار يعيشون به فى نفوسهم،