إنما يسيئون من حيث لا يدرون إلى مقام النبىّ الكريم، بهذه الألوان الصارخة من الخيال، الذي يلقونه على صورته الكريمة، فيطمسون معالمها، ويشوّهون حقيقتها، فلا يمسك منها النظر، أو العقل، أو الخيال، إلا بظلال باهتة متراقصة، يموج بعضها في بعض، فلا تستبين فيها حقيقة لمخلوق، من أهل الأرض، أو عالم السماء، وإنما هى أمشاج مختلطة، من خيالات وأوهام ... ! (?)
إن عظمة «محمد» فى أنه بشر كامل البشرية.. ولد من أب وأم..
وحملت به أمه تسعة أشهر، وأرضع في البادية كما يرضع الأطفال، وعاش كما يعيش أطفال قومه، وصبيانهم، وشبّانهم، ورجالهم.. وإن كان ذلك على أحسن صورة يراها الناس في إنسان، ويتمنّونها لهم، ولأبنائهم..
فلما كرّم الله سبحانه وتعالى محمدا بالرسالة، لم تقطعه هذه الرسالة عن حاله الأولى، ولم ير فيه الناس غير ما يرون، بل إنه لم يأتهم بخارقة من الخوارق، أو معجزة من المعجزات، يملكها في يده، وإنما جاءهم بآيات هى كلمات الله، مضافة إلى الله سبحانه، ومنسوبة إليه جلّ شأنه.. وما محمد إلا مبلغ لهذه الكلمات، وليس له منها إلا ما للناس جميعا، من الاهتداء بنورها، والامتثال لأمرها ونهيها.. فكان ذلك أعظم توكيد وأبلغه، للدلالة على بشرية الرسول من جهة، وعلى أن ابن الماء والطين يحمل في كيانه من قوى الخير، ومشاعل النور، ما يرتفع به إلى أعلى عليين، وأن الطريق مفتوح إلى مالا حدود له من الكمالات، أمام الإنسان.. وأمامه المثل الأعلى للإنسان.. في محمد- «صلوات الله وسلامه عليه» ..