ففى الإسراء.. يوصف «محمد» صلوات الله عليه بصفة العبودية، مضافا إلى الذات العلية.. فيقول سبحانه: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» (1: الإسراء) .
وفي المعراج، تخلع على «محمد» - صلوات الله وسلامه عليه- تلك الخلعة السنيّة، وهو في أعلى عليين.. فيقول سبحانه وتعالى: «فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى»
(10: النجم) .
وأكثر من هذا أيضا.. فإن «محمدا» - صلوات الله وسلامه عليه، لم تخلع عليه صفة العبودية مضافة إلى ضمير الذّات، وحسب، بل أضيفت إلى الذات ذاتها، في قوله تعالى: «وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً» (19: الجن) .. وهذه خصوصية أخرى، تعطى هذه العبودية وضعا ليس لغيرها من عباد الله جميعا..
ومع هذا التفرّد، الذي للنبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- بين خلق الله جميعا، ومع هذا القرب الذي ليس لأحد غيره من عباده، فإنه- صلوات الله وسلامه عليه- لن يخرج عن قيد العبودية، ولن يكون إلا عبدا لله، وإن كان أكرم العبيد.. وإلّا خلقا من خلقه، وإن كان أفضل الخلق..
وأن هذه المنزلة الرفيعة العالية، التي لم تكن ولن تكون لبشر، هى تكريم للإنسان من حيث هو ابن الماء والطين، والذي يرقّ، ويصفو، ويعلو، حتى يتقدم الملأ الأعلى، ويدنو من ذى العرش، حتى يكون قاب قوسين أو أدنى..
ومع هذا كلّه، فإن ما يتحدث به المتحدثون عن الحقيقة المحمدية، يريدون بهذا الحديث أن يقطعوه عن البشرية، وأن يعزلوه عن هذا الوجود البشرى،