قيامها على شئون صغارها وما يعرض لهم- لما كانت المرأة على تلك الصفة هنا فإن استشهادها لم يكن إلا لضرورة، وذلك حين لم يكن ثمة أكثر من رجل واحد يصلح للشهادة! وهنا تقوم المرأتان مقام الرجل الآخر المطلوب للشهادة.
ولما كان الضلال عن طريق الحق فى جانب المرأتين ليس مقصورا على إحداهما دون الأخرى، بل هو قدر مشترك بينهما، فقد تذكر إحداهما بعض ما شهدت عليه وتنسى بعضا، كأن تذكر أن الدين قدره كذا وتنسى الأجل المضروب له، أو تذكر أين كان مجلس العقد وتنسى زمانه، أو يختلط عليها الأمر فى من هو الدائن أو المدين.. على حين تذكر الأخرى ما نسيته الأولى، وتنسى ما تذكره صاحبتها.. وهكذا تكمّل إحداهما الأخرى، فيأتيان بالشهادة على وجهها الصحيح، أو على ما هو أقرب إلى الصحيح! فالمراد بالضلال هنا الحيدة عن الواقع، بسبب سهو أو نسيان، كما يضلّ السائر طريقه إلى الغاية التي يقصدها.
وقوله تعالى: «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» (282) أمر موجه إلى الشهود بأداء الشهادة إذا ما دعوا إلى أدائها عند الحاجة إلى شهادتهم، وبهذا يتحقق الغرض المقصود من توثيق الدين، والإشهاد عليه.
وفى التعبير عن الشهود بلفظ «الشهداء» الدال على علو القدر وشرف المنزلة- احتفاء بالشهادة وتكريم عظيم للشاهد، إذا كان أهلا لحمل الأمانة، وموضع ثقة بين الناس، حيث ائتمنوه، ورضوا به حكم عدل بينهما، ففى كلمته التي يشهد بها مقطع الحق.
وقوله تعالى: «وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا» (282) .