وجّه الأمر هنا إلى غائب، وذلك أنه لا غائب عن علم الله وقدرته، فكل غائب هنا حاضر فى علم الله.. فكل كاتب موجود أو سيوجد، ماثل بين يدى الله، ومخاطب بهذا الأمر.
وقوله تعالى: «وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ» هو نهى لمن يعرف الكتابة أن يمتنع عن كتابة الدين إذا دعى إلى كتابته، فقد أنعم الله عليه بأن علّمه ما لم يكن يعلم، فلينفق من هذا الرزق الذي رزقه الله إياه، فى سبيل الخير، فذلك من زكاة هذه النعمة.
وكما أن الأمر لا يتجه إلى غائب، كذلك النهى لا يكون لغير حاضر..
وكما قلنا، فإنه لا غائب فى علم الله، فالله سبحانه وتعالى يأمر وينهى الحاضرين والغائبين.. فى نظرنا، والجميع حاضر بين يدى الله، واقع تحت علمه.
قوله تعالى: «فَلْيَكْتُبْ» أمر آخر، بالكتابة، يتوجه إلى من يحسنها، ويؤكد الواجب المدعوّ إليه فى تلك الحال، فإن تخلّى عنه كان ذلك منه عصيانا عن عمد، وتحدّ صريح لأمر الله، الذي بلّغه فى أبلغ بيان وآكده.. بالأمر به، ثم بالنهى عن مخالفته، ثم بالأمر به مرة أخرى..
وقوله تعالى: «وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ» ، هذا بيان لحق المدين فى توثيق الدين.. فبعد أن دعا الله سبحانه وتعالى كلّا من الدائن والمدين أن يكتبوا الدين، ثم دعا إليهما من يكتب لهما- أمر المدين أن يملل أي يملى على الكاتب المال الذي استدانه، والأجل المتفق على أدائه فيه، ليكون ذلك بإقراره، الذي يتعلق بذمته، وذلك بحضور الدائن، ومصادقته على ما يمليه المدين، أو يستمليه منه الكاتب.
وقوله تعالى: «وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً» هو أمر توجيهى للمدين