ولأن عملية القرض عملية إنسانية، تنبع من عاطفة كريمة رحيمة، فقد حرص الإسلام على أن يثبّت دعائمها، وأن يحرسها من الآفات التي نشوّه معالمها، وتفسد الجوّ الذي تتنفس فيه.
ففى النفوس ضعف، وفى القلوب مرض، وفى الناس نكران للمعروف، وجحود للإحسان.. وقد تتوارد هذه الآفات جميعها على عملية القرض، فتجعله مصدر عداوة وبغضاء، بعد أن كان باب تواصل وتراحم وتوادّ.. فقد يجحد المدين أصل الدّين، أو يجحد بعضه، أو يقع سهو أو نسيان فى أصل الدين.. عند كل من الدائن والمدين.. وكل هذا يوجد شقاقا، ويوقع عداوة! لهذا أمر الإسلام على وجه الإرشاد والنصح أن يكتب الدّين، وأن يشهد عليه.. فقال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» فكما تعرف قيمة الدين، كذلك ينبغى أن يعرف الأجل الذي يؤدّى فيه إلى صاحبه، إذ أن تجهيل الوقت الذي يردّ فيه الدين، وتركه مفتوحا لتقدير المدين- يفتح بابا واسعا للماطلة والتسويف، مما يدعو إلى المشاحنة والعداوة، فى أمر ينبغى أن يصان عما يدعو إلى المشاحنة والعداوة، وأن يخلص للبر والإحسان! وقوله تعالى: «وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ» أي ليقم بين الدائن والمدين من يكتب لهما الدين وأجله، وليشهد عليه.. وذلك إذا لم يكن الدائن والمدين معا ممن يحسنون القراءة والكتابة، فإذا كان أحدهما يحسنهما أو كانا معا لا يحسنانهما فليقم بينهما كاتب عدل، يكون منهما بمنزلة الحكم.
وهو أمر موجه إلى من يحسنون الكتابة أن يقوموا بهذه المهمة إذا دعوا إليها.. والأمر لا يكون إلا حضوريا، يخاطب به من يراد منه الأمر، وقد