وكان طبيعيا أن يتدخل الإسلام فى هذا الضرب من المعاملات الجائرة، التي تغتال الضعفاء، وتمتص عصارة الحياة فيهم، وتقطع أواصر الرحمة والأخوّة بين الناس والناس.
وقد جاء الإسلام بالحكم القاطع فى تحريم الربا فى قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ» .
والربا.. الذي جاء القرآن بتحريمه هو ربا النّسيئة، وهو الذي أشرنا إليه من قبل، والذي يقع بين الدائن والمدين بفرض زيادة على أصل الدين، فى مقابل تأجيل دفع الدّين مدة معينة.. إذ النسيئة هى التأخير، يقال نسأ الله فى أجل فلان: أي مدّه وأطاله.
ولا شك أن فى هذه العملية ظلما محققا وقع على المدين من الدائن.. وذلك أن الدائن- وهو صاحب المال الذي هو نعمة من نعم الله فى يده، وفضل من أفضاله عليه، لم يرع فيه حق الله، وحق الفقراء فيه، بالصدقة والإحسان..
وهو إذ لم يفعل هذا، كان من الواجب عليه- ديانة ومروءة- أن يمسكه فى يده، ولا يجعل منه أداة يمتص بها البقية الباقية من حياة الفقراء! يقول ابن قيّم الجوزية: «إن الله لم يدع الأغنياء حتى أوجب عليهم إعطاء الفقراء، فإذا أربى الغنىّ مع الفقير فهو بمنزلة من له على رجل دين فمنعه دينه وظلمه زيادة أخرى- أي زيادة على أصل الدين بالربا- والغريم- أي الفقير- محتاج إلى دينه، الذي أوجبه الله له فى مال الغنى- وهذا من أشد أنواع الظلم..