عقولهم وقلوبهم. فهذا الذي ينذرهم به النبىّ، هو من الإشراق والوضوح بحيث لا يخفى على ذى عقل ونظر أنه وحي من عند الله، ولكن أنّى للعمي أن يبصروا، وللصمّ أن يسمعوا، وللحمقى أن يعقلوا ويعوا؟ فكان لا بد أن ينخسوا هذه النخسة، وأن يقرعوا بتلك المقرعة، وأن يقال لهم عن هذا النور، إنه نور، وعن هذه الشمس، إنها الشمس!! قوله تعالى:
«وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ» .
فهؤلاء المشركون، الذين غرّهم بالله الغرور، فأمنوا مكره، واستخفوا ببأسه- هم على حال من الضعف والاستخزاء يكادون يكحونون بها مثلا فريدا فى الناس.. فهم إذا مسّتهم نفحة من عذاب الله جزعوا، وانحلّت قواهم، وأكثروا من الصياح والعويل، ونسوا ما كانوا عليه من تشامخ وتعال.. ولم يجدوا شيئا من العزاء والصبر، على نحو ما يجد المؤمنون حين يبتلون من الله بشىء من الضر.
والمسّ: دون اللّمس.. والنفحة من العذاب: أهون شىء فيه وأقله، وهو بالنسبة للعذاب أشبه بالرحمة، ولهذا عبّر عنه بالنفحة، التي يغلب استعمالها فى الخير..
فهذا العذاب الذي يمسهم الله به، هو أقل العذاب، وهو يعتبر نعمة ورحمة بالنسبة إلى العذاب! فكيف إذا وقع بهم العذاب نفسه، لا نفحة منه؟
قوله تعالى:
«وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ» .