ومما جاء به الإسلام فى هذا:
أولا: أنه جعل الخير خيرا فى ذاته، والشرّ شرّا فى ذاته، ولم يلتفت إلى تلك التصورات الذهنية الطبيعة الشر والخير، وإنما نظر إليهما على أنهما كائنان قائمان فى الحياة، يشعر بهما المرء، ويجد آثارهما فى نفسه..
فالنار إذ يستدفىء الإنسان بها خير، والنار إذ تحرقه، شر.. إنها خير وخير محض فى حال، وشر وشر محض فى حال.. هذا جانب الخير يراه الإنسان فى الأشياء حين يقيسها إلى نفسه، ويحكم عليها بما تقتضيه مصلحته.. ومثل هذا جانب الشر، الذي يراه الإنسان فى الأشياء، حين يأخذها بمعياره الشخصي الذاتىّ أيضا.
ولا تحسبنّ الإسلام يجعل الخير والشر محصورين فى دائرة الإنسان الذاتية، وفى الجانب الحسّىّ من هذه الدائرة.. أي جانب اللذة والألم..
وكلّا.. فهذا جانب وإن لم ينكره الإسلام فى تقويم الخير والشر، لأنه قائم فى الحياة، لا يستطيع الناس الانفصال عنه، إلا أن الإسلام- فوق هذا- يعلو بهذا الإحساس، فيرتفع، عن الجانب المادّى إلى الجانب الروحي، ومن جانب الذاتية الفردية فى الإنسان، إلى جانب المجتمع الإنسانى من أضيق حدوده إلى آخرها، امتدادا واتساعا.. ومن أجل هذا كانت دعوة الإسلام إلى التخفيف من متاع الدنيا، كما كانت دعوته إلى البذل، والإيثار، والتضحية، ثم كان وعده بالثواب والعقاب، والجنة والنار فى الآخرة.
وثانيا: كشف الإسلام للناس عن كثير من وجوه الخير والشرّ، إذ نصّ على كثير من الأمور اعتبرها خيرا، ودعا الناس إليها، وأمرهم بها، ووعدهم الجزاء الحسن عليها.. كالصدق، والصبر، وبرّ الوالدين، والإحسان إلى الناس، بالقول والعمل، والوفاء بالعهد وأداء الأمانات إلى أهلها، والحكم