فالمنّ أذّى جارح قد يصيب الإنسان فى مقاتله.. ولهذا كان هو الآفة التي تأكل الصدقة كما تأكل النار الحطب، إذ قد استوفى بها صاحبها حقّه من المتصدق عليه، حين أحسن أولا، ثم أساء ثانيا.. فذهبت إساءته بإحسانه.
وقوله تعالى: «كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» هو مثل رفعه الله لأعين المؤمنين الذين يتصدقون، فيذهب بصدقتهم ما سلطوه عليها من منّ وأذى، وفى هذا المثل يرون صورة واضحة ناطقة، للإحسان الذي يذهب هباء ويضيع هدرا.
فالكافر الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، لا يتقبل الله منه صالحا أبدا، لأنه أبطل كل صالح بهذا الكفر الذي انعقد عليه قلبه، وفسد به كيانه كلّه.
وقد يتصدق هذا الكافر لا لوجه الله، ولا فى سبيل الله، ولكن ليرى الناس إحسانه، أو ليملك وجودهم بإحسانه إليهم، أو ليحتل منزلة فى قلوبهم..
فهذه الصدقة وغيرها مما يحسب فى وجوه البر والإحسان مما تجود به يد الكافر، لا يتقبلها الله، ولا يجزى الجزاء الحسن عليها، والله سبحانه وتعالى يقول: «مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» (18: إبراهيم) .
وإنها لصورة كريهة مفزعة للمؤمن الذي يتصدق فيبطل صدقته بيده كما يبطل الكافر إحسانه بكفره! وهنا يتمثل المنّ والأذى كأنه الكفر..
وإذ تجنب المؤمن الكفر حتى حسب فى المؤمنين، فليتجنب المنّ والأذى حتى يكون فى المحسنين، وإلا فهو والكافر فى هذا الموقف سواء بسواء.. لا يقبل الله من أىّ منهما عمله الذي عمل.