من معارف، وذلك ليثبت لهم، ولمن تلقّى عنهم من مشركى مكة- صدق محمد، وأنه نبىّ يوحى إليه من ربّه، وأنه لو جاء بالواقع الذي يخالف ما عندهم لما سلّموا به- نقول: لو سلمنا بهذا القول فى القرآن لكان معنى هذا، أنه كان عليه أن يجرى مع اليهود إلى آخر الشوط، فلا يجىء بشىء مما يخالف ما هم عليه من مذاهب وآراء، ولكان عليه ألا يقول فى المسيح غير ما قالت النصارى من أنه ابن الله، بل ولما كان له إلا أن يقول بما يقول به المشركون أنفسهم فى آلهتهم، وذلك حتى يسلّموا له، وينتهى الأمر عند هذا الحدّ، وكفى الله المؤمنين القتال.
ألهذا إذن جاءت رسالة محمد؟ وأ لهذا أيضا جاءت رسالات الرسل، تجرى على ما عند الأقوام من آراء ومعتقدات؟ وأين مكان الرسالة إذا فى الناس؟ وما محتواها؟ إذا كانت لا تخرج على ما عند المرسل إليهم؟
ونقول فى عدد أصحاب الكهف: إن القرآن الكريم لم يذكر فى عدد أصحاب الكهف قولا له، وإنما ذكر ما يجرى على ألسنة الناس من حديث عنهم، وعن عددهم، على مدى الأزمان، حاضرها ومستقبلها.. ولهذا جاء التعبير القرآنى: «سَيَقُولُونَ» ولم يقل قالوا.. ولو كان من تدبير القرآن أن يردد أقوال اليهود، لينال بذلك موافقتهم، ويأخذ منهم شهادة بأن القرآن وحي من عند الله، لكان من الحكمة أن يأخذ بقول واحد من هذه الأقوال، وينتصر له، وبهذا يوقع الخلاف بين أصحاب هذه الأقوال المختلفة!.
ثم نسأل: كيف يكون فى موافقة القرآن لمقولات اليهود المتضاربة المختلفة فى عدد الفتية ما يجعل عند اليهود وعند المشركين دليلا على أن القرآن وحي؟ ألا تكون التهمة قائمة بأن محمدا قد تلقّى هذه المقولات من اليهود