وهذه الصورة الحسية التي صورت بها حال أولئك الكافرين، إنما هى تجسيم لطبائعهم النكدة، وعقولهم المظلمة! وإلا فإن آذانهم مرهفة، وأبصارهم حديدة، ولكنهم لا يحصّلون بها خيرا، ولا يهتدون بها إلى سبيل الرشاد والهدى.

ويثار هنا قول، هو: ما لهؤلاء الكافرين إذ لم يهتدوا إلى الإيمان وقد عطل الله مداخل الإيمان إلى كيانهم؟.

وهذه مسألة كثر فيها الرأى، واختلف عليها العلماء، حتى صار المسلمون فيها فرقا، من سنية، ومعتزلة، وشيعة، وخوارج.

والرأى فى هذا أن يفوض الأمر كله لله.. فالخلق خلقه، والناس عبيده، يقضى فيهم بحكمه كيف اقتضت إرادته.. كما فى قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» (2: التغابن) وكما يروى فى الحديث الشريف:

«عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- سئل عن معنى قوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ» (172: الأعراف) فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عنها فقال: «إن الله عز وجل لمّا خلق آدم مسح على ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح على ظهره بشماله، فاستخرج منه ذريته، فقال: هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، فقام رجل فقال: يا رسول الله: ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل أهل الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت وهو على عمل أهل النار فيدخله به النار» .. هكذا قضى الله فى عباده، فريق فى الجنة، وفريق فى السعير.. ومن حكمة الله ولطفه بعباده أنه لم ينكشف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015