بطون هذا الحيوان المجتر الذي أحلّ شرب لبنه، وأكل لحمه، وأن الحيوان الذي ليس له هذه البطون لا يؤكل لحمه، ولا يشرب لبنه..!
ومن هنا- مرة ثالثة- كان على الإنسان أن ينظر فى الحيوان الذي يشرب من لبنه ويأكل من لحمه، فإذا كان على تلك الصفة أكل من لحمه وشرب من لبنه، وإلا أمسك عنه..
فالآية الكريمة إذ تنبه الإنسان إلى ما فى بطون الأنعام من عبرة فى خروج اللبن من بين الفرث والدم تنبّهه كذلك إلى ما أحلّ له من الحيوان ذى اللبن، ولهذا جاء وصف اللبن بهذين الوصفين: «لَبَناً خالِصاً.. سائِغاً لِلشَّارِبِينَ» .
وعلى هذا يكون الضمير فى «بطونه» عائدا إلى الحيوان المجترّ ذى البطون، وذى اللبن الخالص، السائغ للشاربين.. هذا الحيوان المنتقى من بين مجموعة الأنعام كلها، فهو حيوانها الذي ينبغى أن يتجه النظر إليه فى هذا المقام! مقام أخذ اللبن الخالص السائغ منه.
أما آية «المؤمنون» فلم يكن المراد منها التنبيه إلى هذه الخاصية من الحيوان، ذى اللبن الخالص السائغ، حيث جاءت الآية هكذا: «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ» .. فهى تحدّث عن الأنعام فى جملتها، وعما يجنيه الناس منها من ثمرات، ليس اللبن إلا بعضا منها، وليس فى الآية ما فى آية النحل من إلفات خاص إلى اللبن الصافي السائغ، الذي يخرج بقدرة القدير، وتدبير الحكيم العليم.. من بين الفرث والدم..
فآية النحل تلفت الأبصار والبصائر فى قوة، إلى هذه الظاهرة العجيبة، التي تحدّث عن قدرة الله، وإلى ما تملك القدرة من قوى التصريف والإبداع..