حيث لا يدرى من يستجيب له، ومن لا يستجيب.. فالإيمان مطلوب من الكافرين جميعا.. ومطلوب منهم كذلك أن يجيئوا إليه برغبة صادقة، ومودة خالصة.. تعمر القلب، وتشرح الصدر! ولكن قليل هم أولئك الذين يعرفون الحق ويؤثرونه على الأهل والولد..
وسؤال يعرض لنا هنا.. وهو: كيف يؤدى النبىّ رسالته، وكيف يعطيها كل مشاعره وأحاسيسه، وهو على يقين من أنه لن يبلغ بدعوته إلى قلوب الناس جميعا؟ أليس فى ذلك توهين لعزمه، وإخماد لجذوة الأمل التي ينبغى أن تكون مشتعلة فى نفس كل داعية، حتى يعطى دعوته كلّ جهده، وعزمه، وصبره؟
والجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل من قبل ربه برسالة، ومأمور بأن يبلغها، وأن يجتهد فى تبليغها، وأنه إن لم يفعل فما بلغ الرسالة، ولا أدّى الأمانة..
وقد امتثل النبي أمر ربه، وصدع به، واجتهد الاجتهاد كلّه، حتى لقد كادت نفسه تذهب حسرة وأسى على من كان يفلت من يده، ويموت على الشرك والضلال من قومه..
فهذا التوجيه الرباني الذي حمله قوله تعالى إلى النبي الكريم: «رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ» - هذا التوجيه، هو دعوة إلى النبي- صلوات الله وسلامه عليه- أن يتخفف من هذا الشعور الضاغط عليه، والمؤرّق له، وأن يكون على علم من أنه لن يهدى من أضلّه الله، وختم على سمعه وقلبه.. وهم كثير غير قليل.. وقد عتب سبحانه وتعالى على النبي الكريم مشفقا عليه من هذا العناء الذي يعنّى به نفسه، فى شد المعاندين شدّا إليه، وهم يدفعونه، ويتأبّون عليه.. فيقول سبحانه: «أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى؟ وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى؟» (5- 7: عبس) .