يقول الله تعالى: «فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ» (8: فاطر) وكما يقول جل شأنه: «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً» (6: الكهف) .
وعلى هذا يكون معنى الآية.. ادع يا محمد بهذا الكتاب الذي معك، وأنت على بعض الرجاء، لاكل الرجاء فى أن تجد لدعوتك آذانا تسمع، وقلوبا تفقه، وتستجيب، وتؤمن.. فادع إلى سبيل ربّك، بآيات ربك، وقل: لعلّ وعسى!! أو قل: «رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ!» وهنا لا بد من الإشارة إلى أمور:
أولا: المراد من كلمة «يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا» ..
فإن الود للشىء، معناه الرغبة فيه، وإيثاره على غيره..
وهذا يعنى أن الإيمان لا يكون عن إكراه، وإنما عن رغبة، وحبّ، وإيثار..
وهذا يعنى- من جهة أخرى- أنه ليس للنبى أن يحمل المعاندين حملا على الإيمان، وألا يجيئهم إليه عن طريق الإخراج الأدبى، تحت عواطف القرابة أو الصداقة.. إن ذلك يكون أشبه بطعام طيب يتناوله مريض، أو ممعود، فى غير اشتهاء له، ولا رغبة فيه.. فمثل هذا الطعام لا تهضمه المعدة، ولا ينتفع به الجسم.. والمعنى: ربما يرغب الذين كفروا فى أن يدينوا بهذا الدّين.
وثانيا: قوله تعالى: «الَّذِينَ كَفَرُوا» حيث يبدو من ظاهر اللفظ أنه يشمل الكافرين جميعا..
ونعم، هو كذلك.. فدعوة الله إلى الإيمان به موجهة إلى الناس كلّهم..
وعين الرسول الكريم تنظر إليهم جميعا، ويده الكريمة ممدودة لهم كلّهم..