إذ الحقيقة الواقعة أن مقدارا كافيا من العقوبات القانونية أو الظلم الاجتماعى جديرة بأن تحول دون انتشار الحق! ..
ثم يقول الفيلسوف:
«ولكن الفضيلة الصادقة التي يتميز بها الحق، هى أنه يمكن إخماده، مرة، ومرتين، ومرّات، غير أنه لا بد- على مدى الدهور- من أن يظهر أناس يعاودون استكشافه المرة بعد الأخرى، حتى يوافق ظهوره فى إحدى المرات ظروفا ملائمة، فيفلت من الاضطهاد، ويجمع من الأنصار ما يمكنه من الثبات» يريد هذا الفيلسوف أن يقول: «إن للحق أصولا مستقرة فى ضمير الإنسانية، وأن هذه الأصول، وإن حجبتها قوى الشرّ والبغي، وغامت على شمسها سحب الضلال والزيغ، فإنّ جوهرها النقىّ لا يناله من ذلك شىء، بل يظل هكذا على نقائه، وصفائه، وكرمه، حتى تجىء الظروف المناسبة، التي تجلّى عن وجه الحقّ ما غشيه من ضباب، وما خيّم عليه من ظلام.. وذلك إما بقوة تنبعث من كيان الحق، كما تنبعث الحرارة من الشمس، فتبدّد السحب والغيوم، وإما بأن تنحلّ قوى الباطل من تلقاء نفسها، فيذبل عوده، وتجفّ أوراقه، كما تموت نبتة السوء، وتصبح هشيما تذروه الرياح.. «كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ.. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ» .
والحق دائما ثقيل الوطأة على الناس، إلا من رزقهم- سبحانه- الإيمان الوثيق، والعزم القوىّ، وأمدّهم بأمداد لا تنفد من الصبر على المكاره، والقدرة على احتمال الشدائد، إذ الحق- فى حقيقته- مغالبة لأهواء النفس، وقهر لنزعاتها، وإيثار للآخرة على الدنيا، وذلك من شأنه أن يجعل الإنسان فى حرب متصلة مع نفسه، وما فيها من أهواء ونزعات، حتى إذا أقامها على الحق