فليس بمنكور أن يهزم الحق فى معاركه مع الباطل.. فالحق والباطل فى صراع متلاحم لا ينتهى أبدا.. فينتصر هذا مرة، وينتصر ذاك أخرى، حتى يظل هذا الصراع دائما، لا تنقطع موارده، ولا تنطفىء ناره.. ولو كان النصر لأحدهما على الآخر ضربة لازب، لانتهى الصراع القائم فى هذا الوجود من من أول معركة، ولكانت الحياة وجها واحدا.. حقا أو باطلا.. ولو كان هذا لسكن ريح الحياة، ولخمدت جذوة الكفاح التي تدفع موكب الحياة فى قوه وانطلاق، فيتولد من هذا الاندفاع كل ما أقام الإنسان على هذه الأرض من مدنية وعمران..

إن الحياة فى هذا الكوكب الأرضى محكومة بهذا الصراع الأبدى، بين قوى الخير والشر، والحق والباطل.. فى ميزان، تتراجح كفتاه، وتضطربان هكذا أبدا..

وهزيمة الحق فى أروع مظاهره، وأكمل كمالاته، ليست بالتي تنقص من قدره، أو تقلل خطره، أو تحمل أتباعه على الشك فيه، أو الجفوة له.. فالحق وإن بدا أنه خسر المعركة فى بعض معاركه مع الباطل، فإن هذا لا يعنى أنه هزم، وأسلم يده للباطل وأهله.. وإنما ينهزم الحق حين تنهزم مبادئه فى نفس أهله، وتخف موازينه عندهم.. فذلك هو ميدان المعركة بين الحق والباطل..

فما دامت قلوب أهل الحق عامرة به، وما دامت أرواحهم متعلقة بالحياة معه والعيش فى ظله، فإنه لن يهزم أبدا، ولو خسر معاركه فى ميدان الحرب والقتال، وفيما يتقاتل من أجله الناس، من متاع الدنيا وزخرفها..

يقول الفيلسوف «جون ستيوارت» : إن من السخافة أن يتوهم المرء أن الحق لا لشىء سوى أنه حق- يشتمل على قوة غريزية، ليست موجودة فى الباطل، من شأنها أن تمكن الحق من التغلب على ضروب العقاب والتنكيل ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015