عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ
.. وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ» ..
«قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً» ! هى نفس المواجهة التي واجههم بها، حين جاءوه يلقون إليه بالخبر المفجع فى «يوسف» .. إنهم متهمون عنده فى الحالين.. لأنه كان يتوقع منهم أن يسيئوه فى يوسف، وفى أخيه.. ففى يوسف يقول لهم: «إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ» ..
وعن ابنه الآخر يقول لهم: «هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ؟» .
وهكذا يأخذهم بحدسه فيهم، وظنّه بهم، وقد صدقه حدسه فى الأولى، وتحقق ظنه فى الثانية، فوقع المكروه فى كلا الحالين.
«فَصَبْرٌ جَمِيلٌ» أي فصبر جميل على هذا المكروه، هو الدواء الذي لا دواء غيره.
«عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» .. لقد وقع فى نفس يعقوب أن محنته فى بنيه- يوسف، وأخيه، وكبير أبنائه- قاربت أن تزول، وأن بوارق الأمل أخذت تلوح له فى الأفق، وأن إيمانه بربّه، ورجاءه فى رحمته لن يخذلاه أبدا، ولن يسلماه إلا إلى السلامة والعافية..
ولهذا فهو على رجاء بأن الله- سبحانه- سيلطف به، وسيجمع شمله المبدّد، ويعيد إليه أبناءه الذين لعبت بهم يد الأحداث.. «إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» .