قريبون منك فاسألهم.. ثم إننا- قبل هذا، أو بعد هذا- لصادقون، فيما حدثناك به..
وانظر إلى موقفهم هنا، وقد جاءوا إلى أبيهم بالصدق كله، وإلى موقفهم من قبل مع يوسف، وقد جاءوا إلى أبيهم بالكذب كله! إنهم هنا يجدون لكلمة الحقّ مساغا فى أفواههم، وقوة على ألسنتهم..
فيقيمون عليها الأدلة البعيدة والقريبة.. ثم لا يكتفون بهذا، بل يجزمون بصدقهم، ويؤكدونه، وإنهم لهذا فى غنى عن أن يشهد لهم أحد بصدقهم، «وَإِنَّا لَصادِقُونَ» .
أما هم هناك، فإنهم قد حملوا شاهد الزور بين أيديهم.. قميصا ملطخا بالدّم الكذب، ودموعا متلصّصة، تتخذ من الليل ستارا تستر به زيفها.. ثم كلمات مستخزية متخاذلة، تمشى على استحياء، فى رعشة واضطراب: «يا أَبانا.. إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ.. وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا.. فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ.. وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ» !! إن هذا القول كان أولى بهم أن يقولوه فى المرة الثانية، وهم صادقون..
إذ كانت منهم فعلة أولى، افتضح فيها أمرهم، ووقع منهم أبوهم على ما فعلوه بيوسف، حين ألقوه فى الجب وادعوا أن الذئب أكله.. فإذا جاءوا اليوم يقولون عن ابنه الآخر، إنه سرق، وإن العزيز قد أخذه رهينة عنده- كان اتهامه لهم بالكذب أقرب شىء يقع فى نفسه.. وكان ظاهر الحال يقضى بأن يقولوا: «ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ» ولكنهم إذ كانوا صادقين حقّا، فإنهم لم يلتفتوا إلى ظاهر الحال، ولم ينظروا إلى وراء، بل واجهوا أباهم بالحق الصّراح الذي بين أيديهم..! فقالوا: «إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما