لكل منّا حمل بعير.. «ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ» أي أن العزيز لا يعطى طالب الميرة إلا فى حدود مقدّرة لكل فرد مهما كانت قيمة البضاعة التي يحملها معه! إنه لا يأخذ أكثر من حمل بعير! وانظر كيف استدعوا أخاهم من أبيهم بهذا الأسلوب اللّبق الحكيم:
«وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ» .. لقد جعلوه طلبا ثانيا بعد الطلب الأول، وهو الميرة، وشدّوه إليه، بحيث لا تكون الميرة إلّا به..
فهم لم يقولوا: ونأخذ أخانا، بل قالوا: «وَنَحْفَظُ أَخانا» .. كأن أخذه أمر مفروغ منه، لا مراجعة لأبيهم فيه.. فقد سلم به لهم حكما إن لم يكن قد سلم به واقعا.. ثم جاء قولهم «وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ» إغراء لأبيهم بالتسليم لهذا الأمر الذي لا بد منه، ففيه جلب الخير لهم، وهم فى وجه هذا العسر والضيق!.
وانظر إلى روعة النظم القرآنى فى تصويره لهذا الإغراء العجيب الذي جاء محمولا إلى يعقوب فى قولهم «هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ» .
فهذه الواوات المتتابعة التي تجمع تلك المتعاطفات، وتقرن بعضها إلى بعض- تمثّل أروع ما يمكن أن يبلغه فنّ العرض لمجموعة من فريد اللآلئ وكريم الجواهر، تحركها يد صناع، فتجىء بها واحدة إثر أخرى، حتى لكأنها أنغام موسيقية، تؤلف لحنا! وفى اختيار حرف «الواو» من بين حروف العطف، وفى تكراره، دون مغايرة- فى هذا ما يزاوج بين هذه المتعاطفات، ويؤاخى بينها، بحيث تبدو متجمعة، وهى متفرقة- لما فى حرف «الواو» من رخاوة، ولين، حيث تصبح هذه المتعاطفات على هذا النسق، كيانا واحدا لا يمكن الفصل بين