منها فى حق هذا الإنسان العظيم، الذي لم يكن له من ذنب، إلا أن الله سبحانه صوّره فأحسن صورته، وأكمل خلقه! هذا، ويجوز أن يكون هذا القول من يوسف عليه السلام، وأنه قاله بعد أن علم بإقرار النسوة، وشهادة امرأة العزيز على نفسها، قاله معلّقا ومعلّلا لهذا الطلب الذي طلبه من الملك، وهو أن يسأل النسوة اللّاتى قطعن أيديهنّ.

وبهذا ينكشف له واقع الأمر، وقد انكشف هذا الواقع عن براءة يوسف مما رمى به، وبهذا يعلم العزيز أن يوسف لم يخنه فى غيبته وأنه كان أمينا على حرماته، وأنه لو كان خائنا له أو لغيره ما هداه الله إلى كشف هذه الحقائق التي كشف عنها، لأن هذا لا يكون إلا عن بصيرة استضاءت بنور الله، واهتدت بهذا النور، والله لا يهدى كيد الخائنين، ولا ينجح لهم أمرا، ولا يجعل لهم نورّا: «ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور» .

ونحن نميل إلى القول بأن قوله تعالى: «ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ» .. نميل إلى القول بأن هذا هو من حديث يوسف إلى نفسه، تعليقا على ما انكشف للملك من أمر النسوة، وما ظهر من براءته.

وذلك لأنه قد جرى فى هاتين الآيتين، ذكر الله سبحانه وتعالى، ووصفه بصفات الكمال، كقوله: «وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ» ..

وقوله: «إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ» .. وهذا لا يصدر إلا من إنسان مؤمن بالله إيمانا مشرقا متمكنا.. وامرأة العزيز، لم تكن- فى غالب الظن- مؤمنة.. وأنه إذا كانت مصر قد عرفت التوحيد فى فترة من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015