وتتلفت الأنظار هنا إلى امرأت العزيز، وتصغى الآذان إلى ما تقول فى هذا المقام، وهى رأس هذا الأمر كله..فماذا قالت امرأت العزيز؟.
«قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ» لقد قهرها الحق، فأقرت على نفسها بمشهد من هذا الملأ:
«أنا راودته عن نفسه» .. فقد ظهر الحق، ولم يعد ثمة سبيل إلى إخفائه.
«أنا راودته عن نفسه» : تقولها هكذا صريحة مؤكّدة «أنا راودته عن نفسه» ! ولم تكتف بهذا العرض الذي تعرض فيه نفسها فى معرض الاتهام الصريح المؤكد، بل تستحضر يوسف الذي لا يزال فى سجنه، وتستدعى صورته التي لا تزال تملأ خيالها فنقول: «وإنه لمن الصادقين» .. أي إننى لكاذبة فيها تقوّلته عليه، وإنه لصادق فيه نفى هذا الاتهام عنه.. وفى قول يوسف:
«فاسأله ما بال النسوة» دون أن يشير إلى امرأة العزيز- أدب عال لا يصدر إلا ممن تأدب بأدب السماء، من أنبياء الله ورسله.
«ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ» أي إنّى أقرر ذلك، وأشهد به على نفسى فى غير مواجهة، وذلك ليعلم أنّى لم أكذب عليه فى غيبته، حيث لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ودفع ما أتقوّله عليه.
وفى قولها: «ذلك ليعلم أنّى لم أخنه بالغيب» اعتذار منها ليوسف، وتودّد إليه، وفتح لباب الصفح والمغفرة بينها وبينه.
- وفى قولها: «وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ» تعليق على ما كان منها من كيد وخيانة ليوسف، وأن هذا التدبير السيّء قد فضحه الله، وأخزى أهله.. وهكذا كل باطل لا بد أن تكشف الأيام زيفه، وتفضح وجهه المطلى بالزور والبهتان.. وفى هذا ما يدلّ على حسرتها على ما كان