حيث تذكر سيرتهم، فلا يرى فيها الناس إلّا عوجا، وزيغا، وفسادا فى الأرض.. وكذلك شأنهم فى الآخرة، حيث يراهم المؤمنون، وقد وردوا هذا المورد الوبيل، وباعوا آخرتهم بهذا الثمن البخس الذي باعوها به فى دنياهم، من متاع زائل، وسلطان زائف! فيرمون باللّعنات.. «أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» ..
«بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ» .. الرفد: العطاء بعد العطاء، ويستعمل فى مواضع الخير، والإحسان.. وقد استعمل هنا فى العذاب والبلاء، ليدلّ على أن ما يرفدون به، هو اللعنة، وأنها هى الإحسان الذي يمكن أن يحسن به إليهم، إذ لا عطاء لهم إلا من هذا المورد الذي وردوه، وليس فيه ما يعطى إلا النكال والسوء! «ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ» الإشارة هنا إلى هذا القصص الذي قصه الله فى هذه الآيات، الكريمة.. والخطاب للنبى صلوات الله وسلامه عليه، والقرى: هى قرى أولئك الأقوام الذين أهلكهم الله، وصبّ عليهم نقمته، بعد أن ساق إليهم رحمته على يد رسله فردّوها، وآذوا المرسلين إليهم بها..
«مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ» أي من هذه القرى ما هو «قائم» أي باق لم تضع كل معالمه بعد، ومنها ما هو «حصيد» قد اندثر، وذهبت معالمه.. وقد شبهّت القرى بالزرع، لما فيها من حياة، ولما تتعرّض له هذه الحياة من صور التبدّل والتحول.. فتخضرّ، وتورق، وتزهر، وتثمر.. ثم تنضج، وتحصد..
وهكذا تلبس القرى من صور الحياة ما يلبس الزرع من تلك الصور!