أن يجدّوا فى السير، وألا يلتفتوا إلى هذه المواطن، وأن يغلقوا حواسهم عنها، حتى لا يدخل عليهم شىء منها.. شأنهم فى هذا شأن من يمرّ بجثث متعفنة، تهب منها ريح خبيثة، فيسدّ أنفه، وينطلق مسرعا حتى يبرحها.. وفى هذا درس عملىّ للتشنيع على المنكر وأهله.
- وفى قوله تعالى: «إِلَّا امْرَأَتَكَ» إشارة إنى أن امرأة لوط لا تملك من أمرها ألّا تلتفت، بل هى مقهورة على الالتفات، والخروج عن هذا النهى، وذلك لما أراد الله لها من هلاك.. «إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ» .. لأنها كانت مع القوم بمشاعرها وعواطفها، ولهذا التفتت إليهم، وخالفت أمر الله. بألا يلتفت أحد ممن خرج مع لوط من أهله.. ولم تفرّ منهم كما يفرّ المرء من بلاء طلع عليه، أو مكروه أحاط به، فكان أن أخذها الله بما أخذ به هؤلاء القوم الآثمين.. إنها منهم، وحقّ عليها ما حق عليهم: «إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ» .
- «إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ.. أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ» .. وفى هذا تطمين للوط، وأن ما بينه وبين القوم سينتهى مع مطلع هذا الصبح من ليلته تلك.. ثم هو من جهة أخرى حثّ للوط على أن يبادر الصبح قبل أن يطلع عليه، وأن يخرج من القرية ومعه بقية من الليل، حتى يبتعد عن القرية قبل أن يقع هذا الانفجار المهول، مع أول خيوط من ضوء الصبح.. «أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ؟» فهذا استفهام تقريرى، بمعنى ألا ترى أن الصبح قريب.. فهيّا أسرع، وخذ أهبتك للخروج من هذه القرية، قبل أن يدركك الصبح، وتقع الواقعة! «فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ.. وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ» .
أي ولما جاء الصبح الموعود، وقع أمرنا الذي قضينا فيه بهلاك هذه القرية، فجعلنا عاليها سافلها، أي قلبناها رأسا على عقب، فذهبت كلّ معالمها، وأمطرنا