إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ»
.. فقد كان نوح يعلم أن من أهله من حقّ عليه القول بأنه من المغرقين، ولكن عاطفة الأبوة قد حجبت عنه رؤية ابنه أن يكون فى هؤلاء الغرقى، ولهذا ظل ممسكا به إلى أن حال بينهما الموج فكان من المغرقين..
ومع أن نوحا على يقين بأن ابنه قد هلك، ولا سبيل إلى أن يلقاه حيّا فى هذه الدنيا- فإن ما به من لذعة الألم، وحرقة الأسى، قد حمله على أن يشكو إلى ربه هذا الذي يجده.. ليسمع من ربه كلمة يبرّد بها صدره، ويطفىء لهيب النار المشتعلة فيه..
وقد عاد الله سبحانه وتعالى على «نوح» بفضله، فناجاه وواساه، ووقف به على الحد الذي يجب أن يلتزمه نوح مع أمر ربه، وعلمه، وحكمته.
«قالَ يا نُوحُ.. إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ.. إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ.. فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ» ..
- وفى قوله تعالى: «يا نُوحُ» عزاء جميل، ومواساة كريمة من ربّ كريم.. إذ ناداه الحقّ جلّ وعلا باسمه، كما يدعو الحبيب حبيبه، ويناجى الخليل خليله.. «يا نوح» ! - وفى قوله تعالى: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ» إشارة إلى أن هذا الابن ليس من أهل «نوح» الذين ينسبون إليه نسبة ولاء، وطاعة.. إن أهله هم المؤمنون به..
ولهذا كشف الله سبحانه وتعالى لنوح عن السبب الذي من أجله لم يكن ابنه من أهله، فقال سبحانه: «إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ» أي إنه عمل من غير الأعمال الصالحة، التي يتقبلها الله، وما كان لنوح أن يمسك بين يديه عملا غير صالح..
وسمّى الابن «عملا» لأنه غرس من غرس أبيه، وثمرة من زرعه..