يتلفظ به، ولو كان على سبيل الحكاية.. وإذا كان ناقل الكفر ليس بكافر، فإن حسبه من الشناعة أن يحمل هذا الإثم، ويجريه على لسانه.. كساقى الخمر فإنه، وإن لم يشربها، هو أداة من أدواتها، وإناء من آنيتها..
وقد نزه الله موسى عليه السلام، أن ينطق بما نطق به فرعون، من زور وبهتان! ..
وفى تعدية القول إلى المقول «باللام» : «أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ» معدولا به عن التعدية بحرف الجر «عن» ، إذ أنهم لم يقولوا للحق بل قالوا عنه هذا القول- نقول: فى هذه التعدية سرّ من أسرار النظم القرآنى، وإعجاز من إعجازه..
فإذا كان الحق الذي جاء به موسى، حقا واضحا مشرقا، لا لبس فيه، حتى لكأنه كائن عاقل، رشيد، يستغنى عن أن يدل عليه أحد أو يكشف عن وجهه كاشف- إذا كان ذلك كذلك، فقد صح أن ينزل هذا الحق منزلة العقلاء، وأن يوجه إليه الخطاب، وأن ينكر على من يعتدى عليه هذا العدوان.. «أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ» هذا القول المنكر؟ ..
فالحق فى إشراقه، وجلاله، وسلطانه، مستغن بنفسه عمن يسنده، ويشدّ أزره، فهو إذ يطلع على الناس، يطلع عليهم كائنا سويا، يتحدث إلى الناس ويتحدثون إليه.. وهذا ما يشير إليه توجيه القول من المكذبين بالحق، إلى الحق: «أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ» كما يشير إليه مجىء الحق إليهم من غير أن يستند فى مجيئه إلى أحد إذ يقول لهم موسى «لَمَّا جاءَكُمْ» .. ولم يقل: «لما جئتكم به» ..
- وفى قوله تعالى: «أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ» تعقيب يؤكد به موسى ما أنكره على فرعون من قوله عن آيات الله: «إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ»