قبل العين، ثم ينقلها إليها.. فهو العين التي تكشف هذا الوجود للعيون أولا، ثم تنقله إليها ثانيا. وفى هذا ما يكشف عن بعض قدرة الله كما ينطق بإعجاز كلماته.
- وفى قوله تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» إلفات إلى تلك الظواهر المتجلّية من قدرة الله سبحانه.. وأنها آيات دالّة على قدرة الله، وعلى تفرده بالوجود.. وأنه لن يرى هذه الآيات، ولن يتعرف على ما فيها من دلائل على قدرة الله، إلا من ألقى سمعه إلى كلمات الله، ووعى ما تلفته إليه من آيات الله المبثوثة فى هذا الكون الرحيب.. وهذا بعض السرّ فى أن جاءت فاصلة الآية: «لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» بدلا مما يقتضيه ظاهر النظم، وهو أن تكون الفاصلة هكذا: «لقوم يبصرون» وذلك أن كلمات الله، إنما يتلقاها المتلقون عن طريق السّمع، وأن هذه الآيات هى: التي إذا صادفت أذنا واعية، كشفت الطريق إلى الله.
قوله تعالى: «قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» .
هذا هو ما يقوله المشركون عن الله: «اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً» .. وهو الذي أشار إليه قوله تعالى: «وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ» .. وكأنه بهذا إجابة عن سؤال أو تساؤل هو: ما هذا القول الذي يقوله المشركون فيحزن النبىّ؟ فكان الجواب: «قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً» .
وقد تأخر الجواب عن هذا السؤال، فجاء بعد تلك الآيات التي عرضت بعض مظاهر قدرة الله، وأنه سبحانه له العزة جميعا، وأنه جل شأنه، له ملك السموات والأرض ومن فيهن، وأنه سبحانه هو الذي أقام هذا الوجود على ذلك النظام المحكم البديع، فجعل الليل سكنا، وجعل النهار مبصرا..