تعالى: «وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً» (7: الفرقان) ولو عقلوا لعرفوا أن الملائكة لا تستقيم لهم مع الناس حياة، بل يكون ظهورهم فى الناس موضع فتنة لهم، تأخذ على ألبابهم، وتستولى على عقولهم، وتقيمهم فى الحياة مقاما مزعجا مضطربا.
ولو أنهم كانوا على شىء من النظر والرويّة، لنظروا أولا فى وجه تلك الدعوة التي يدعوهم الرسول إليها، ويريدهم على أن يأخذوا منها لدنياهم وأخراهم جميعا.. إذن لعرفوا أنها دعوة إلى خير خالص، ومسيرة إلى منهل عذب مصفّى.. وإنه ليس أخسر صفقة ولا أضلّ سبيلا من إنسان يدعى إلى خير فيتأبّى عليه، وينبه إلى نار تمتد بلهيبها إليه، فيلقى بنفسه بين ضرامها..
وهذه هى دعوة الرسول إليهم، وتلك هى رسالته فيهم: «أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» .. إنه ينذرهم ذاء يسكن فيهم، ويغتال وجودهم. وهو هذا الشرك الذي هم عليه.. ويبشرهم برضوان الله، ونعيم جناته إذا هم تخلصوا من هذا الداء، وآمنوا بالله، واستقاموا على شريعة الله! .. فماذا ينكر العقلاء من أمر دعوة هذه أوجهها، وتلك وجهتها؟
ثم ما شأنهم وشأن هذا الذي يدعوهم إلى هذا الخير؟ وماذا يعنيهم منه إن كان بشرا أو غير بشر؟ إنهم لو عقلوا لكان همهم الأول هو الأخذ بحظهم من هذا الخير المحمول إليهم.. ولكن أنّى للعمى أن يبصروا، وأنى للصمّ أن يسمعوا؟
- وفى قوله تعالى: «قَدَمَ صِدْقٍ» مجاز مرسل، يراد به مكان صدق ومنزلة صدق.. إذ كانت القدم هى العاملة الساعية إلى كل غاية يريد الإنسان بلوغها..