ووصف الكتاب بالحكمة، هو الوصف اللائق به من أوصاف الكمال والجلال.. إذ الحكمة هى مجمع كل صفات الكمال.. وكل صفة من صفات الكمال لا تكون كاملة إلا إذا ازدانت بالحكمة، ووزنت بميزانها..
فلا تستغنى صفة من صفات الكمال عن الحكمة، على حين أن الحكمة مستغنية بنفسها عن كل صفة! ولهذا كان الوصف الملازم للقرآن، أو الغالب عليه هو الوصف بالحكمة.
وفى هذا يقول الله تعالى فى صفته: «يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ» . ويقول جل شأنه: «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ» (44: الزخرف) ..
ويقول سبحانه: «كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ» (1: هود) .
قوله تعالى: «أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ» .
فى هذه الآية إنكار على مشركى العرب خاصة موقفهم من الرسالة الإسلامية، وشغبهم على رسولها، وعجبهم ودهشهم من أن يكون المبعوث إليهم- رسولا- من الله، رجلا منهم.. إنهم لا يتصورون أن يكون إنسان يأكل كما يأكلون، ويشرب كما يشربون، ويولد كما يولدون، ويلد كما يلدون- لا يتصورون أن يكون مثل هذا الإنسان رسولا يوحى إليه من الله، ويتلقّى كلماته.. إنهم- لكى يقع فى تصورهم قيام رسول بين الله والناس- لا يقبلون هذا الرسول ولا يصدقونه، إلا إذا كان فى غير جلد البشر.. كأن يكون ملكا مثلا! وقد حكى القرآن تصوراتهم وأوهامهم تلك فى قوله