قبل أن يقتل لا بد أن يقتل من عدوه واحدا أو أكثر، حتى لا يذهب دمه هدرا، وحتى بوهن العدو ويضعف من شوكته، ويكتب بدمه حرفا من كلمة النصر التي كتبها الله للمؤمنين..
- وقوله تعالى: «وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ.. وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ» ؟ هو توكيد لما وعد الله المؤمنين الذين باعوه أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة، فهذا الوعد حق لا مرية فيه- كما جاء به القرآن والتوراة والإنجيل.
فذلك هو وعد الله للمؤمنين المجاهدين، فيما جاءت به الكتب السماوية المنزلة من رب العالمين.. «وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ» ؟ وهل يخلف الله وعده، أو ينقض عهده؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا..
هذا وليس بيع الأنفس والأموال لله مرادا به بذلهما فى القتال فى سبيل الله ثم الوقوف بهما عند تلك الغاية وحدها.. فإذا لم يكن بين يدى المؤمن قتال ومجاهدة للعدو، فهناك ميدان فسيح للجهاد فى سبيل الله فى غير ميدان القتال، فمجاهدة النفس والوقوف بها عند حدود الله، هو جهاد مبرور فى سبيل الله..
والعبادات بأنواعها، وأداؤها على وجهها جهاد فى سبيل الله، والسعى فى تحصيل الرزق من وجوهه المشروعة، جهاد فى سبيل الله.. والبر بالفقراء، والإحسان إلى اليتامى.. هو جهاد فى سبيل الله.
وإذا كانت الآية الكريمة قد خصّت القتال فى سبيل الله بالذكر هنا، فليس ذلك إلا تنويها يفضل الجهاد فى ميدان القتال، إذ يمثل الصورة الكاملة التي يبذل فيها المرء كل ما يملك، ويقدم لله فيها كل ما معه من نفس ومال..
على خلاف أبواب الجهاد كلها، فإنه يبذل بعضا من كلّ، ويقدم لله بعضا ويستبقى بعضا.