هناك غيره كثير من الذين يرون ما يرى، ولكنهم لم يظهروا ما بأنفسهم، وطووا صدورهم على ما فيها من زيغ وضلال..
وإنما نظم ذو الخويصرة وأمثاله فى سلك المنافقين، مع أنّه صرّح بما كان يضمر من كفر وضلال- على حين أن النفاق إنما يكون نفاقا إذا كان صاحبه على ظاهر هو خلاف الباطن- نقول إنه عدّ فى المنافقين هو وأمثاله، لأن النفاق فى الواقع هو كفر مضمر، وكون المنافق يفضحه نفاقه بين الحين والحين، فينكشف منه بعض ما أضمره، لا يرفع ذلك عنه صفة النفاق، فإنه إذا أظهر بعضا من كفره، فإن ما أخفى من هذا الكفر أكثر وأعظم.. وفى مثل هؤلاء المنافقين يقول الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ» (118: آل عمران) .. فالمنافق منافق وكافر معا.
واللمز: الغمز الخفيف، وذلك يكون بالإساءة باللسان، بالكلمة الجارحة، تجىء فى خبث ومورابة.. والمنافق لا يأتى البيوت من أبوابها، وإنما يدخل متلصصا..
وفى الذي صنعه النبي- صلوات الله وسلامه عليه- بغنائم هوازن ما خفى على كثير من المسلمين حكمته، فكان لذلك وسواس فى كثير من الصدور، وهمس على الشفاء، وتغامز بالعيون.. حتى لقد عرف ذلك فى الأنصار، الذين هم ما هم فى حساب الإسلام، وفى مجتمع المسلمين.. ولقد قال قائلهم حين أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى للمؤلفة قلوبهم، كأبى سفيان، ومعاوية بن أبى سفيان، وعتيبة بن حصن الفزاري، وغيرهم- قال قائلهم: لقى والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه!!.
ولم تكن هذه القولة من بعض الأنصار شكّا فى دين الله، ولا اتهاما