وهكذا.. تكشفت معادن المؤمنين، فكانوا فى منازلهم من الإيمان ظاهرا وباطنا، بعد أن كانوا على باطن لا يدرى إلا الله ما ينطوى عليه..
ثم سار النبي صلوات الله وسلامه عليه، بما اجتمع له من المسلمين، وكانت عدتهم ثلاثين ألفا، منهم عشرة آلاف فارس، كما يقول الرواة..
وقد وقعت فى الطريق أحداث.. منها:
أن بعض الذين تخلّفوا عن الركب، قد راجعوا أنفسهم، فرجعوا إلى الله، وآثروا ما عنده، فلحقوا بركب النبىّ، وهو فى الطريق، قبل أن يبلغ تبوك..
ومن الأمثلة الرائعة للنفس المؤمنة اللّوامة، التي تلفظ الغريب الوارد عليها من وساوس الشيطان- ما كان من أبى خيثمة من بنى سالم بن عوف..
فإنه كان ممن اعتذر لرسول الله، وقبل الرسول الكريم عذره.. فتخلف مع المتخلفين.. ولكن كان معه فى هذا التخلف ضمير ينخسه، وقلب موزّع بين داعية نفسه إلى الدعة والظل، وبين داعى إيمانه إلى اللحاق برسول الله، ومشاركته مرارة السفر وقسوة الهجير..
قالوا إنه بعد أن سار النبي أياما، دخل أبو خيثمة فى يوم حار إلى حائط (أي حديقة له) فوجد امرأتين له فى عريشين لهما، قد رشّت كل واحدة منهما عريشها، وبرّدت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما.. فلما دخل قام على باب العريش، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الضّحّ (?) والريح والحر، وأبو خيثمة فى ظل بارد، وطعام مهيأ، وامرأة