الرسول، حتى كانوا جميعا الجواب الحاضر لها.. لم يتخلّف منهم متخلّف، ولم يبطّىء منهم مبطّىء.. وقد أنفقوا فى سبيل الله كل ما يملكون.. وكان عثمان بن عفان رضى الله عنه أكثر الناس إنفاقا في تجهيز جيش العسرة، حتى لقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى ما رأى من عثمان قال:
«اللهم ارض عن عثمان فإنّي عنه راض» .
وهؤلاء معسرون يريدون الغزو والجهاد فى سبيل الله.. ولكن ليس هناك ما يحملون عليه إلى ميدان القتال.. فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه ما يحملون عليه، فلما أجابهم الرسول بقوله: «لا أجد ما أحملكم عليه» .. «تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ» ..
وهؤلاء هم البكّاءون، كما سماهم المسلمون يومئذ..
ثم هناك أصحاب تعلّات كاذبة، ومعاذير واهية، جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ليستأذنوا فى التخلّف، فأذّن لهم النبىّ، أخذا بظاهر أمرهم ولكنّ الله سبحانه أخذهم بما أخفوا، فلم يقبل لهم عذرا.. فقال تعالى:
«وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ..
وقد عاتب الله سبحانه وتعالى النبىّ فى قبول عذرهم والإذن لهم، فقال تعالى: «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ.. لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ» .
وهناك منافقون.. وأشباه منافقين.. اجتمعوا على الكيد للإسلام، وتوهين عزائم المسلمين الذين خفّوا للجهاد.. ومنهم عبد الله بن أبىّ بن سلول..
كان على رأس فريق من أصحابه، فى جانب من معسكر المسلمين الذين اجتمعوا ظاهر المدينة استعدادا للسير.. فلما تحرك النبىّ بركب المسلمين تخلّف عبد الله ابن أبىّ فيمن معه من المنافقين..