والقول بنسخ هذه الآية لما قررته الآيات التي قبلها، من ولاء المسلمين بعضهم لبعض، وتناصرهم وتعاطفهم.. هذا القول مردود من وجوه:
فأولا: أن الأحكام التي قررتها الآيات السابقة من وجوب قيام تلك الوحدة الشعورية بين المسلمين، بحيث تجعل منهم كيانا واحدا- هذه الأحكام، هى من صميم الدعوة الإسلامية، ومن الدعائم القويّة التي قام عليها بناء المجتمع الإسلامى، بحيث يؤثر المؤمن إخوانه فى الإيمان، على أهله وذوى قرابته.. كما يقول تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (23: التوبة) - ويقول سبحانه: «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (22: المجادلة) .
فهذه العزلة الشعورية التي تعزل المؤمن عن الذين يحادّون الله ورسوله، من أهله وأقرب المقربين إليه، يقابلها تلاحم فى المشاعر، وتزاوج فى العواطف، بين المؤمن وجماعة المؤمنين.
فالإيمان عند المؤمن هو نسبه الذي ينتسب إليه، وعلى هذا النسب يصل الناس أو يقطعهم، ويوادّهم أو يجافيهم، ويسالمهم أو يحاربهم!.
فكيف تجىء آية قرآنية تنسخ هذا المبدأ، الذي هو أقوى دعامة فى بناء المجتمع الإسلامى!