وبعضهم ينتهى عنها وفى نفسه ميل إليها، ورغبة فيها، ولكنّ خوف الله يغلّ يده، وخشية الله تكسر حدة مشاعره..
وبعضهم تراوده نفسه عليها، وتؤامره على الإلمام بها، ثم التوبة عنها..
وهكذا تتغاير منازل المؤمنين، وتتعدد مواقفهم، إزاء هذه المنكرات، بعدا وقربا، وصبرا، وجزعا، واطمئنانا وقلقا، واجتنابا ومقارفة.
أما المنزلة التي يكون فيها المؤمن، وقد انعزلت مشاعره، وسكنت بلابله، فلم يكن لهذه المنكرات من المطاعم والمشارب نخسة فى نفسه، أو همسة فى صدره- فلن يبلغها المؤمن إلا بعد مجاهدة ومصابرة، وبعد طريق شاق طويل يقطعه مع الإيمان والتقوى والعمل الصالح، متنقلا من حال إلى حال، مرتفعا من منزلة إلى منزلة، حتى يكون المؤمن الرّبانى الذي يكون على الوصف الذي ورد فى الحديث القدسي: «ما يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، وإن سألنى أعطيته، وإن استعاذنى لأعيذنّه» .
ففى هذا الإنسان الرباني تموت كل نوازع الهوى، وتسكن كل دواعى الشهوة إلى محرم أو مكروه.
وفى الفاصلة التي ختمت بها الآية الكريمة: «وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» فى هذه الفاصلة ما يكشف عن هذه المنزلة التي تهتف الآية الكريمة بالمؤمنين أن يسعوا إليها، وأن يعملوا على بلوغها..
وتلك هى منزلة الإحسان، تلك المنزلة التي ذكرها الرسول الكريم فى قوله، وقد جاءه جبريل عليه السلام، وهو مع أصحابه فى صورة رجل يسأله عن الإيمان والإحسان.. فقال جبريل يا رسول الله: «ما الإسلام؟ قال ألّا تشرك بالله