وأىّ نصرانى يستمع إلى قولة المسيح: «أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم» - أي نصرانى يستمع إلى تلك القولة الكريمة، ثم لا يمسّ قلبه شعاعة من نورها الألق، أو قبسة من نفحاتها المباركة؟ ولكن اليهود أدخلوا على المسيحية ما غيّر وجهها، وأفسد طبيعتها.. وحسبنا أن نذكر هنا «بولس الرسول» وما كان له- هو اليهودي- من شأن فى هذا المقام! وقوله سبحانه: «ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً» إشارة إلى أن علماء النصارى، وأصحاب الرياسة والتوجيه الديني فيهم، هم جماعة يمثلون الوجه المشرق للمسيحية، فى وداعتهم، ولطفهم، وحبهم للإنسانية.. على حين يقابل هذا:
الربانيون والأحبار، الذين هم قادة اليهود وأصحاب الرياسة الدينية عندهم، والذين هم العقل المفكر واليد العاملة للمجتمع اليهودي، وما يرمى به الناس من شر وبلاء بأيديهم! ..
فالقسيسون والرهبان.. رأس سليم، معافى من الأمراض الخبيثة.. يقوم على جسد المسيحية، ويعمل على حمايته من الآفات، التي يرمى بها اليهود فى كيانه..
والربانيون والأحبار.. رأس فاسد، تدور فيه عواصف الشر والبغي..
يقوم على جسد اليهود، فيغذى بذور الشر والبغي الكامنة فيه! وشتان بين رأس ورأس، وجسد وجسد! وقوله تعالى: «وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» إشارة أخرى إلى ما بين رؤساء المسيحيين ورؤساء اليهود، وبين المسيحيين وبين اليهود، من تفاوت بعيد! فهؤلاء- أي النصارى- لا يستكبرون، ولا يعزلون أنفسهم عن المجتمع الإنسانى، ولا يرون ما يراه اليهود فى أنفسهم من أنهم شعب الله المختار..
ولهذا اختلط المسيحيون بالعالم كله، ودعوا الناس جميعا إلى ما معهم من دين الله..