سبيل إلى تبديلها. والتحريف هنا هو فى فساد التأويل والتخريج، وكتمان بعض، وعرض بعض.
وقوله تعالى: «يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا» هو بيان لضرب من ضروب التحريف، والفساد فى التأويل. إذ يقيم علماء اليهود عامتهم على رأى خاص محرّف، ويقولون لهم إن قبله محمد منكم فاقبلوه منه، ووافقوه عليه، وإن لم يقبله فاحذروا أن تأخذوا بما يدعوكم إليه، مخالفا لهذا الرأى الذي أنتم عليه.
وقوله سبحانه: «وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» هو تعقب فاضح لهذا الموقف اللئيم الذي يقفه علماء اليهود من دينهم الذي يدينون به، فقد فتنوا هم فيه وأفسدوا على أتباعهم دينهم، بهذه التأويلات الفاسدة المنكرة..
وإن هؤلاء الفاتنين والمفتونين معا صائرون إلى هذا المصير المشئوم، إذ كان موافقا لطبيعتهم، مستجيبا لأهوائهم.. فأخلى الله بينهم وبين أهوائهم، فلم يمد إليهم يد الهداية والتوفيق.. «وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى» (8- 9- 10: الليل) .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: فى خاتمة هذه الآية: «أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ» .
وفى الإشارة إليهم بقوله تعالى: «أُولئِكَ» عرض كاشف لهم فى هذا الوضع السيّء، مطرودين من رحمة الله، واقعين تحت نقمته، «لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ» ، حيث يشهد الناس كذبهم، ونفاقهم، «وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ» .. فإن كان فى وجوههم صفافة تحتمل هذا الخزي، ولا تبتلّ بقطرة من عرق الخجل والحياء، فى الدنيا، فإن جلودهم- ولو كانت فى بلادة الحجر،