الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ..»
(46: النساء) .
وهذا شاهد يشهد بلسان الواقع أن الأبناء والآباء على سواء، فى قسوة القلوب، وجرأتها على الله، وتبديلها لكلماته! قوله سبحانه: «وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ» .. الضمير هنا راجع إلى آباء اليهود، وأنهم لم يقفوا عند حدّ التحريف والتبديل لكلمات الله، بل لم يعملوا بما ظل سليما من تحريفهم فى الكتاب الذي بين أيديهم.. ذلك أنه بعد أن استقرت التوراة على ما فيها من تحريف، وتداولتها الأيدى، لم يكن من سبيل إلى إدخال تحريف عليها- فكان تحللهم من الأخذ بما لا يرضون من أحكام التوراة الباقية عندهم، هو الطريق البديل لهم من التحريف، لو كان ذلك التحريف مستطاعا لهم.. فعملهم هذا هو تحريف بصورة أخرى، بما يتأولون به النصوص، ويخرّجونها عليه، حسب ما تمليه أهواؤهم..
وقوله تعالى: «وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ» هو خطاب للنبى الكريم، وأنه يجد بين يديه من خيانات اليهود لأمانة الكلمة، وشرف العهد ما يصل حاضر اليهود بماضيهم، وأنهم أبدا على خيانة لله، ولرسول الله، ولعباد الله! وفى التعبير عن الخيانة بالخائنة ما يكشف عن هذا الأسلوب الخبيث الذي يتخذه اليهود فى خياناتهم، وأنه أسلوب قائم على المداهنة والنفاق.. حيث يخرج اليهود خيانتهم فى خبث ودهاء ومواربة، فلا يلقون بها إلا حيث لا ترصدهم العيون، ولا تواجههم الوجوه! وقوله تعالى: «إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ» هو استثناء لجماعة قليلة من اليهود، قد سلمت من هذا الداء الخبيث الذي اشتمل على القوم، ولم يبق على شىء منهم