في القرآن بما تعقله، والرجل يتهدَّدُ صاحبه فيقول له: لعلك ستنْدَمُ على فعلك، وهو لا يشك في أنه يندم، ويقول: ربما تندم على هذا، وهو يعلم أنه يندم كثيرًا، ولكن مجازه أن هذا لو كان يخاف منه ندم قليل، لكان تركه واجبًا، فكيف إذا لم يتيقن قلة الندم من جهته؟ والدليل على أن هذا ورد في التهدد قوله بعده: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا} الآية، وهذا كله معنى قول الزجاج، قال: وجائز أن تكون أهوال القيامة تشغلهم عن التَّمَنّي، فإذا أفاقوا من سكرةٍ من سكراتِ العذاب ودّوا ذلك (?)، وعبَّر بعض أهل المعاني عن هذين الجوابين بعبارة وجيزة؛ فقال في الجواب الأول: التقليل أبلغ في التهدد، كما يقول: ربما ندمت على هذا، وهو يعلم أنه يندم ندمًا طويلًا أي: يكفيك قليلُ الندم فكيف كثيرُهُ، وقال في الجواب الثاني: إنه يشغلهم العذاب عن تمني ذاك إلا في القليل (?)، قال أبو إسحاق: ومن قال إن (رُبَّ) يُعْنَى بها الكثير، فهو ضد ما يعرفه أهل اللغة (?).
3 - قوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} يقول: دع الكفار يأخذوا حظوظهم من دنياهم، فتلك خلاقهم، ولاخلاق لهم في الآخرة، وقال صاحب النظم: المعنى ذرهم ولا تَدْعُ عليهم فيهلكوا (?)، وإذا تركهم خاضوا ولعبوا وأكلوا وتمتعوا، وهذا كقوله: {يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} [الزخرف: 83].