وأما عند أهل البصرة (?) فقال أبو عثمان (?): الباء في قوله (بمثلها) زائدة، وتقديره عنده: جزاء سيئة مثلها، واستدل على هذا بقوله في موضع آخر: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40].
قال أبو الفتح الموصلي (?): وهذا مذهب حسن، واستدلال صحيح؛ إلا أن الآية تحتمل مع صحة هذا القول تأويلين آخرين، أحدهما: أن تكون الباء مع ما بعدها هو الخبر، فكأنه قال: وجزاء سيئة كائن بمثلها، كما تقول: إنما (?) أنا بك، أي كائن موجود بك.
والثاني: أن تكون الباء في (بمثلها) متعلقة بنفس الجزاء، ويكون الجزاء مرتفعًا (?) بالابتداء، وخبره محذوف كأنه قال: وجزاء سيئة بمثلها كائن أو واقع، وحذف الخبر حسن متجه، قد حذف في عدة مواضع.
هذان القولان حكاهما أبو الفتح (?)، وذكرهما أبو علي في "المسائل الحلبية" (?) في قوله -عز وجل-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وعلى هذه الأقوال في الباء، الجزاء مرتفع بالابتداء، والجملة -التي هي ابتداء وخبر- فيها خبر الابتداء الأول وهو قوله: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ}