وقال ابن قتيبة: أي: كَذبوا في هذا الوقت كما كانوا يكذبون من قبل، ويقال: أُفِك فلانٌ؛ إذا عُدِل به عن الصدق وعن الخير (?). وهذا إخبار عن حال المجرم من إقدامه على الإفك، عاقبة أمره كإقدامه في ابتدائه.
وذكر مقاتل وغيره في سبب كذبهم: أنهم استقلوا قدر لبثهم في الدنيا في القبور لَمَّا عاينوا الآخرة (?). والصحيح في معنى الآية: أنهم كذبوا من غير عذر، بل حلفوا كاذبين كذبًا صريحًا؛ لأنهم لو استقصروا مدة لبثهم وخُيل إليهم أنهم لم يلبثوا إلا ساعة كانوا معذورين في كذبهم، وليس الأمر على ذلك، ولكن الله تعالى أراد أن يفضحهم فحلفوا على شيء يتبين لأهل الجمع من المؤمنين أنهم كاذبون في ذلك، ويستدلون بكذبهم هناك على كذبهم في الدنيا بالشرك والكفر، وكان ذلك من قضاء الله وقدره بدليل قوله: {يُؤْفَكُونَ} أي: يُصرفون، يعني: كما صُرفوا عن الصدق في حلفهم حتى حلفوا كاذبين، صرفوا في الدنيا عن الإيمان, ولو أراد: كذلك كانوا يكذبون؛ لقال: يَأفكون، فلما قال: {يُؤْفَكُونَ} دلَّ على إثبات القَدَر. ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم كذبهم بقوله:
56 - {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} أي: لبثتم في القبور في خبر الكتاب إلى يوم القيامة (?)، وهو قوله: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100] وقيل: المعنى فيما كتب الله لكم من اللُبث.