«اقرؤوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه» أي: أنهم يقرؤونه بألسنتهم، ويجودونه ويفخمون ألفاظه، ولكنه لا يصل إلى قلوبهم، ولا يتأثرون بزواجره ومواعظه، وإنما يخرج من الفم ولا يصل إلى الجوف، وهو معنى مجاوزة التراقي.
ثم ذكر أنهم إنما يقرؤونه لتحصيل أجرة دنيوية عاجلة، ولا يؤجلون الأجر إلى الآخرة، وفي هذه الأحاديث التصريح بأن القرآن مركب من حروف، وكذا في قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه، وكذا في قول علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كله. فسماه هؤلاء الخلفاء حروفا، وقد ورد في الحديث ذكر عدد الآيات لبعض السور، واتفق المسلمون على جواز عد كلماته وحروفه، وأن من جحد منه سورة، أو آية، أو كلمة أو حرفا متواترا فهو كافر، وهذا من جملة الأدلة على أن القرآن الذي هو كلام الله مركب من كلمات وحروف.
(د) ويستفاد من ذلك إثبات أنه عين كلام الله، والرد على من زعم أن كلام الله معنى قائم بنفسه، وأنه شيء واحد، إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن، وإن عبر عنه بالسريانية فهو توراة.. إلخ، وقد عرفت الدليل على إثبات كون كلام الله تعالى قديم النوع، متجدد الآحاد.