للمؤمنين، في جهادهم والصبر على أذاهم، وليكون هؤلاء الأشقياء نصيب دار الجزاء الثاني، وهي النار التي أعدها لمن خرج عن الهدى {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} أي: لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، بخلاف المخلوقين، فهم يسألون، وعليهم من يحصي أعمالهم إلى يوم الحساب.
(د) والأدلة المذكورة تفيد سبق علم الله وكتابته للأشياء قبل وقوعها، وتحديد أوقات حدوثها، فقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فيها أن ما وجد أو سيوجد فالله الذي خلقه، وقدر زمن وجوده، وهكذا قوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} فيدخل في كل شيء العامل وعمله، أي: قدره تقديرا كاملا، لا يتغير ولا يتبدل.
أما قوله {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} ففيها حث المؤمن على الرضا والتسليم بما يجري عليه في الدنيا من خير أو شر، إذا علم أن كل مصيبة تحدث في الأرض، من قحط أو وباء ونحوهما، أو تحدث في الأنفس أو في الأموال والأولاد، فهي مدونة عند الله في أم الكتاب قبل أن يبرأ الخلق ويوجدهم، وعلم أن الخلق والأمر لله، يتصرف في ملكه بما شاء، وعلم أن ربه حكيم عليم، لا يظلم أحدا، وأن هذه المصيبة، إما عقوبة على ذنب اقترفه، وإما ابتلاء وامتحان للعبد،