جرير: يعني بذلك جل ثناؤه: ومكر الذين كفروا من بني إسرائيل، وهم الذين ذكر الله أن عيسى أحَسَّ منهم الكفر.
وقَوْلُهُ: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: 50] ، وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 15: 16] .
وكان مكرهم الذي وصفهم الله به مواطأة بعضهم بعضاً على الفتك بعيسى وقتله.
قال: وأما مكر الله بهم فإنَّه -فيما ذكر السُدِّي-: إلقاؤُه شَبَهَ عيسى على بعض أتباعه، حتى قتله الماكرون بعيسى، وهم يحسبونه عيسى، وقد رفع الله عز وجل عيسى قبل ذلك ... إلى أن قال: وقد يحتمل أن يكون معنى مكر الله بهم استدراجه إياهم، ليبلُغَ الكتاب أجله.
وقال البغوي: المكر من المخلوقين الخبث والخديعة والحيلة، ومن الله استدراج العبد وأخذه بغتةً من حيث لا يعلم، كما قال: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] .
قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: وغدر هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض بصالح؛ بمصيرهم إليه ليلاً ليقتلوه وأهله، وصالح لا يشعر بذلك {وَمَكَرْنَا مَكْرًا} يقول: فأخذناهم بعقوبتنا إياهم وتعجيل العذاب لهم، و {هُمْ لا يَشْعُرُونَ} بمكرنا.
وقد بينَّا فيما مضى معنى مكر الله بمن مكر به، وما وجه ذلك، وأنَّه أخذُهُ من أخذَهُ منهم على غِرَّةٍ، أو استدراجُه من استدرجَ منهم على كفرِه