وأما المنتحلون المذاهب من الرواة ـ مثل الإرجاء والترفُّض وما أشبههما ـ فإنا نحتج بأخبارهم إذا كانوا ثقات ـ على الشرط الذي وصفناه ـ ونَكِلُ مذاهبهم وما تقلدوه ـ فيما بينهم وبين خالقهم ـ إلى الله ـ جل وعلا ـ إلا أن يكونوا دعاة إلى ما انتحلوا فإن الداعي إلى مذهبه والذابَّ عنه ـ حتى يصير إماماً فيه ـ وإن كان ثقة ثم روينا عنه ـ جعلنا للأتباع لمذهبه طريقاً وسوَّغنا للمتعلم الاعتماد عليه وعلى قوله فالاحتياط ترك رواية الأئمة الدعاة منهم والاحتجاج بالرواة الثقات منهم على حسب ما وصفناه.
ولو عمدنا إلى ترك حديث الأعمش وأبي إسحاق وعبد الملك بن عمير وأضرابهم ـ لما انتحلوا ـ وإلى قتادة وسعيد بن أبي عروبة وابن أبي ذئب وأسنانِهم ـ لما تقلدوا ـ وإلى عمر بن ذَرٍّ وإبراهيم التَّيْميِّ ومسعر بن كدام ـ لما اختاروا ـ فتركنا حدثهم لمذاهبهم لكان ذلك ذريعة إلى ترك السنن كلها حتى لا يحصل في أيدينا من السنن إلا الشيء اليسير.
وإذا استعملنا ما وصفنا أعنا على دحض السنن وطمسها بل الاحتياط في قبول رواياتهم الأصل الذي وصفناه دون رفض ما رَوَوْهُ جملة.
وأما المختلطون في أواخر أعمارهم ـ مثل الجريري وسعيد بن أبي عروبة وأشباههما ـ فإنا نروي عنهم في كتابنا ـ هذا ـ ونحتج بما رووا إلا إنا لا نعتمد من حديثهم إلا ما روى عنهم الثقات من القدماء الذين نعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم وما وافقوا الثقات في الروايات التي لا نشك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى لأن حكمهم ـ وإن اختلطوا في أواخر