قال رحمه الله تعالى: [ولا تطلب من عندك حيلة ترد بها على أهل البدع، فإنك أُمرت بالسكوت عنهم، ولا تمكنهم من نفسك، أما علمت أن محمد بن سيرين في فضله لم يُجب رجلاً من أهل البدع في مسألة واحدة ولا سمع منه آية من كتاب الله عز وجل، فقيل له فقال: أخاف أن يحرفها فيقع في قلبي شيء].
هذا هو الصحيح، والمعنى: لا تأخذك العاطفة إذا سمعت شبهات أو رأيت ما لا يليق من الكلام في الدين، فإذا رأيت عند المبطلين شيئاً مما يخالف الحق أو سمعت بشبهات أو نحوها فلا ترد بتكلف، وإذا لم يكن ردك عن يقين فيسعك أن تسكت ولا تقل على الله بغير علم، فينبغي ألا تدفعك العاطفة والغيرة على أن تتصدى لأمر لست من أهله، أو لم تستعد له، أو لم تتمكن منه، أو تتوقع من الخصم أن يحرجك فتخذل الحق وأنت لا تدري، وهذا مما يقع في كثير من الذين يجادلون أهل الأهواء الآن، تجده يرد بتكلف أو من غير تبصّر فيضربه الخصم بداهية لا يتخلص منها، فيظن السامعون أن هذا ضعف في الحق الذي معك.
وكذلك لا تفرط بأن توقع نفسك في مواقع الشبهات أو في المجالس التي تثار فيها الفتن والشبهات، فإذا سمعت بمجلس تُطرح فيه بعض القضايا الخطيرة فعليك أن تعتزل هذا المجلس ولا تستهويك هذه الأمور أو يدفعك حب الاستطلاع إلى أن تجلس هذه المجالس فيقع في قلبك الأمر فيمرضك وأنت لا تدري، أو ربما تتشّرب بعض البدع وأنت تظن أنها هي الحق، ولذلك لا ينبغي أن يحضر مثل هذه المجالس التي تثار فيها قضايا شائكة إلا طالب علم مستعد ومتمكن.
وبعض الشباب قد يحضر بعض المجالس التي اشتهر فيها ذكر مناهج الباطل وذكر الشبهات حول الحق وأهله بدافع أنه يريد أن ينقل هذه الشبهات إلى أهل الحق ليردوا عليها، أقول: ما دمت تشعر أن على نفسك فتنة فلا تحضر، ولا تأسف على الناس، لكن طالب العلم المتمكن قد يجب عليه أحياناً معرفة وجوه الباطل عند أهلها للرد عليها ونقلها إلى أهل العلم ليردوا عليها، لكن صغار الشباب المبتدئين منهم الذين لم يتمكن العلم في نفوسهم ولم يفقهوا الفقه الكافي لا ينبغي أن يعرّضوا أنفسهم لمثل هذه اللقاءات بدافع الغيرة؛ لأنهم قد يهلكون، بل إنه قد هلك عدد من الشباب في مثل هذه الأمور ووقعوا في الشبهات، وبعضهم صرّح بما يدل على تأثره، وبعضهم وقع في صراع نفسي كما عرفت في الآونة الأخيرة من بعض الذين تعرضوا لمثل هذه المجالس، فهو لا يستطيع أن يصرح بأن الشبهة أثّرت فيه، لكنه لم يتخلص منها وتأتينا أسئلة محررة من مثل هذا النوع الآن بشكل ملفت للنظر.