قال رحمه الله تعالى: [واعلم أن الأهواء كلها ردية تدعو كلها إلى السيف، وأردؤها وأكفرها الروافض والمعتزلة والجهمية، فإنهم يريدون الناس على التعطيل والزندقة].
هذا أيضاً أصل من الأصول المهمة، وهو قاعدة لا خلاف عليها عند أهل الحق، وهو أن الأهواء كلها ردية، سواء الخفيف منها أو المغلّظ فلا خير فيها، مع أنه من المعلوم أنه ليس هناك بدعة غير مغلظة عند أهل الأهواء، اللهم إلا ما يقال عن بعض الفرق التي هي على منهج السنة في عموم الدين لكنها خالفت في أصل كمرجئة الفقهاء، ولا يوجد غيرها مثلها في قربها من السنة.
أما من عداهم من الجهمية والروافض والمعتزلة فهؤلاء أصحاب مناهج وأصول فاسدة، وغيرهم تبع لهم، فالقدرية صارت هي المعتزلة، ومتكلمة الأشاعرة والماتريدية والكلابية والسالمية ومن سلك سبيلهم على أصول المعتزلة والجهمية، فهؤلاء في مناهجهم لا في أفرادهم يريدون الناس على التعطيل، بمعنى أن مآل مناهجهم تعطيل صفات الله عز وجل وأسمائه وأفعاله، وتعطيل الغيبيات، أي إبقاؤها بلا حقيقة، بمعنى أنهم يعتقدون أن أصول الصفات ليست لها حقيقة، وكذلك بقية الغيبيات.
والزندقة تشمل إنكار أصول الدين، وتشمل الفجور في الأعمال الظاهرة، وهي تعني النفاق، وتعني الخروج من مقتضى الدين، وتعني الإعراض عن دين الله عز وجل فهؤلاء سواء قصدوا أو لم يقصدوا -أي الروافض والمعتزلة والجهمية- مآل مذاهبهم التعطيل والزندقة، وهذا الحاصل فعلاً.
أما قوله: (وتدعو كلها إلى السيف)، فهذه أيضاً سمة سبق الإشارة إليها، فمن العلامات الظاهرة الفارقة بين أهل السنة والجماعة وبين مخالفيهم من أهل الأهواء أن أهل الأهواء كلهم إلا القليل النادر الذي لا حكم له يرون السيف، حتى المرجئة كثير منهم يرون السيف، وهذا أمر عجيب، والمفترض في أهل الإرجاء التساهل، لكن نظراً لأنهم خالفوا أصول السنة صار كثير منهم يرون السيف، وهذا بسبب المخالفة للسنة.
ومعنى السيف الخروج على أئمة المسلمين وولاتهم، والخروج على جماعة المسلمين، وتدعو إلى السيف بمعنى أنها تراه وتعتقده سواء فعلته أو لم تفعل.
وهذه مسألة مهمة؛ لأن كثيراً من الفرق تجد في كتبها وأصولها ومناهجها وما أجمع عليه السلف عنها أنها ترى الخروج ولا تعتقد لأئمة المسلمين ولاية، لكن قد لا تخرج، فكم كانت الرافضة ترى السيف في فترات من التاريخ طويلة والغالب أنها لا تستطيع الخروج فلا تخرج، والمعتزلة كذلك ما خرجت بالسيف إلا في حالات نادرة جداً، والجهمية كذلك لكنهم يعتقدون السيف ويرون السيف ويدعون إليه ما أمكنهم ذلك.
إذاً: المسألة تدور على أنه اعتقاد عند جميع أهل الأهواء، لا يرون أئمة المسلمين وولاتهم طاعة ولا يرون لهم بيعة، هذا هو الأصل عند عموم أهل الأهواء.
المرجئة في الحقيقة لا نستطيع أن نثبّت عنهم موقفاً واحداً خلال تاريخ الإسلام، لكن من خلال حوادث التاريخ كان غالب أئمة المرجئة من الفقهاء وأهل العلم يميلون إلى الفتوى بجواز الخروج على الظلمة، أما أنه منهج يدعون إليه فلا.
ومرجئة الفقهاء يقررون غالباً منهج أهل السنة في العموم، لكن إذا تأملنا بعض أئمة الدين من الفقهاء الذين خالفوا عموم أهل السنة بجواز الخروج لتعللات معينة نجد أغلبهم من المرجئة، هذا هو قصدي، أما أنه مذهب يعلنونه فلا، فهم في عموم أصول الدين على السنة ما عدا مسألة الإيمان.