قال رحمه الله تعالى: [واعلم -رحمك الله- أن الله تبارك وتعالى دعا الخلق كلهم إلى عبادته، ومنَّ من بعد ذلك على من يشاء بالإسلام تفضلاً].
هذه القاعدة واضحة؛ فإن الله عز وجل حينما تفضل على بعض الخلق بأن وفقهم للهدى والإسلام فلا يعني ذلك أن البقية غير مدعوين إلى عبادة الله؛ لأن التوفيق -خاصة في الخاتمة- أمر محجوب عن العباد فيجب أن يعمل جميع العباد بما يرضي الله عز وجل، وكل موفق وميسر لما خلق له، لكن الله عز وجل دعا الخلق كلهم لعبادته، وضمن لمن اتبع الحق ألا يضل ولا يشقى، وضمن بأن ينصفه الله عز وجل وأن يجزيه الجزاء الحسن، فبقي ما قدره الله عز وجل من هداية بعض العباد دون بعض أمر غيبي محجوب، وإنما على العباد أن يعبدوا الله كما أمر؛ لأنه دعاهم كلهم إلى ذلك، وليعلم جميع العباد أن طريق السعادة في اتباع أمر الله عز وجل، وأن من اتبع أمر الله فلن يظلم، وأن من حاد الله فهو الذي كتب الله عليه الشقاوة.
ولذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن كتابة السعادة والشقاوة في صحيفة كل إنسان قد وقعت أثناء نفخ روحه بعد مائة وعشرين يوماً وأن هذا أمر مقرر سلفاً، قال الصحابة: ففيم العمل يا رسول الله إذا كان الأمر قد قدره الله؟ فقال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، وهذا يعني: أن أمر الخاتمة لكل إنسان غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، وما دام غيباً فعلى الإنسان أن يحرص على أن تكون خاتمته سعيدة بسلوك طريق النجاة، والله عز وجل قد بين طريق النجاة وسهله وأمر به وأرشد إليه ويسر أمره، ثم وعد من سلكه.
فليس لأحد عذر!