هذا أيضاً من الأصول المهمة التي وردت الإشارة إليها في كثير من النصوص الشرعية وأكد عليها السلف، وما يتعلق بموقف المسلم من الفتن، وقد ذكر الشيخ هنا بعض هذه الأصول في موقف المسلم من الفتن، وقبل أن أذكر ذلك أحب أن أشير إلى معنى الفتنة ومتى تكون فتنة؛ لأن أكثر الناس قد يستعجل بعض الأمور فيسميها فتنة أو يطلق عليها فتنة وليس الأمر كذلك، وأيضاً بعض الفتن قد تعصف بالأمة ومع ذلك يتساهل فيها بعض الناس أو يرى أنها ليست من الفتنة.
فالفتنة: هي كل ما أدى إلى الفرقة بين المسلمين في دينهم أو في دنياهم، وليس من شروط الفتنة أن يصل الأمر فيها إلى القتال.
فما أدى إلى الفرقة في الدين فهو فتنة، وما أدى إلى مفارقة جماعة المسلمين فهو فتنة، وما أدى إلى الخروج على ولاة المسلمين وطاعتهم وترك البيعة والسمع والطاعة فهو فتنة، وما أدى إلى الإخلال بمصالح الأمة العظمى كالإخلال بالأمن أو تضييق المعايش على الناس أو الوقوع في الظلم الظاهر بين العباد؛ فإن ذلك كله فتنة.
إذاً: فالضابط في الفتنة هو الإضرار بالدين أو الدنيا.
يقول: (فإذا وقعت الفتنة فالزم جوف بيتك) هذا هو الأصل في كل مسلم إذا رأى الفتنة أن يلزم جوف بيته؛ لأن كثيراً من الذين يقعون في الفتن يقعون فيها بسبب ولوجهم أو تساهلهم في المشاركة فيها، وأعني بذلك أن كثيراً ممن يقعون في الفتنة قد لا يقصدون الباطل أو لا يريدونه؛ فمجرد المشاركة تتعقد عليهم الأمور، وتصرفهم الخطوب، وأيضاً قد تعمى بصائرهم عن الحق حتى يقعوا في الباطل من حيث لا يشعرون والفتنة تدع الحليم حيراناً، والمتأمل لحال الفتن في تاريخ الإسلام يجد كثيراً ممن وقعوا فيها لم يكونوا يقصدون الفتنة وليسوا أهل فتنة؛ لكنهم تساهلوا بأن شاركوا مع أحد أطراف الفتنة وبقصد الإصلاح أحياناً، لكن الأمر يفوت على الشخص؛ لأن الفتنة لا تكون فيها القيادة والريادة لأهل العلم، ولا لأهل الحلم، ولا لأهل الحكم، ولا لأهل الحل والعقد، بل تكون القيادة والريادة في الغالب لأهل الفساد في الأرض، أو الدهماء والرعاع الذين لا عقول لهم ولا دين.
وينقاد العالم الحليم الحكيم إلى الفتنة مع الرويبضة، ومع الرعاع والدهماء رغم أنفه، إلا إذا لزم بيته، هذا على العموم لكن قد يتعين على بعض الناس مثل ولاة الأمر والعلماء أهل الحل والعقد المطاعين في عشائرهم أن يسعوا إلى الإصلاح لكن لا يكون لهم انحياز مع أحد أطراف الفتنة؛ لأن الانحياز يؤدي إلى إيقاد الفتنة.